في ظلال آية الحلقة السابعة
صفحة 1 من اصل 1
في ظلال آية الحلقة السابعة
من تخصيص الدلالة بالاستعارة مجيء الفعل (حبط) في سياق أعمال الكافرين في ستة عشر موضعاً، نحو قوله تعالى: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين} [المائدة 5].
وقد وقف المفسرون والبلاغيون عند الصورة الفنية التي يشتمل عليها الفعل (حبط)، فتحدثوا عن تشبيه كثرة أعمال الكافرين التي لا فائدة منها ولا ثواب عليها بالدابة التي تأكل طعاماً فاسداً فينتفخ بطنها فيظن الناظر أنها سمينة، ولكن الثراء الدلالي الذي يشتمل عليه الفعل (حبط) لا ينتهي عند حدود هذه الصورة الفنية.
فالفعل الملازم ينطوي على معان اجتماعية منفرة تقلل بل تزدري أعمال الكافرين فالحبط من آثار الجرح التي قد تكون ندبة أو قيحاً منفراً، وفرس حبط القصيرى: إذا كان منتفخ الخاصرتين، وهي صفة مذمومة عند العرب لأن الفرس ينبغي أن يكون ضامر الخاصرتين إذا كان قوياً سريعاً.
والحبنطأ: الغليظ القصير البطين، واجتماع ثلاث صفات في كلمة واحدة يثير كراهية شديدة للموصوف، وامرأة حبنطأة: قصيرة عظيمة البطن دميمة(1)، ولا يخفى النفور والاشمئزاز من تلك المرأة، وعليه فإن الصور الاجتماعية التي يثيرها الفعل (حبط) تعمل على استبعاد أقرب النظائر للفعل (حبط) وبخاصة الفعل (فسد) الذي لا ينهض بما تقدم من معان وصور اجتماعية مليئة بالنفور والكراهية والاشمئزاز.
والاستعارة في الخطاب القرآني ليست حلية لفظية أو فضاء تخيليًا وإنما ترتبط بوظيفة فكرية اجتماعية تجعل من وقوع اللفظة المناظرة أمراً مستبعداً إذ "إن اللفظة التي وقعت مستعارة لو أوقعت موقعها لفظة الحقيقة لكان موقعها نابياً بها ونصابها قلقاً بمركبها"(2)، ولاشك أن ملازمة لفظة ما لسياق دلالي معين تعد من المثيرات الأسلوبية التي تحفز الباحث على التأمل، وتزداد هذه الملازمة إثارة حينما نربطها بالمعطيات البيئية، وذلك لوجود علائق بين اللغة والبيئة، إذ "إن عبقرية لغة ما مرتبطة بما تهبه الأرض لبلاغتها الخاصة، فطبيعة المكان والسماء والمناخ والحيوان والنبات هذه كلها خلاقة للأفكار والصور التي تعتبر تراثاً خاصاً بلغة دون أخرى(3).
ولو تأملنا سياق الآيات التي لازمها الفعل (حبط)، لوجدنا أن بعض المواضع لا تصور أعمال الكافرين التي لا مناص من فسادها، وإنما تصور موعظة أو نهياً للمؤمنين عن أعمال لو فعلوها أو إذا لم ينتهوا عنها لحبط عملهم، نحو قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [الحجرات2]، ولهذا فإن مجيء الفعل حبط في سياق أعمال الكافرين يدل على ازدراء أعمالهم، ومجيئه في سياق أعمال المؤمنين للحث على تجنبها، وانسجاماً مع هذا الفرق فإن حبط العمل يأتي على أضرب، أحدها أن تكون الأعمال دنيوية فلا تغني في القيامة غناء، والثاني: أن تكون أعمالاً آخروية، ولكن لم يقصد بها صاحبها وجه الله تعالى، والثالث: أن تكون أعمالاً صالحة ولكن بإزائها سيئات(4).
بقلم الدكتور: د. عمر عبد الهادي عتيق
---------------------------
وقد وقف المفسرون والبلاغيون عند الصورة الفنية التي يشتمل عليها الفعل (حبط)، فتحدثوا عن تشبيه كثرة أعمال الكافرين التي لا فائدة منها ولا ثواب عليها بالدابة التي تأكل طعاماً فاسداً فينتفخ بطنها فيظن الناظر أنها سمينة، ولكن الثراء الدلالي الذي يشتمل عليه الفعل (حبط) لا ينتهي عند حدود هذه الصورة الفنية.
فالفعل الملازم ينطوي على معان اجتماعية منفرة تقلل بل تزدري أعمال الكافرين فالحبط من آثار الجرح التي قد تكون ندبة أو قيحاً منفراً، وفرس حبط القصيرى: إذا كان منتفخ الخاصرتين، وهي صفة مذمومة عند العرب لأن الفرس ينبغي أن يكون ضامر الخاصرتين إذا كان قوياً سريعاً.
والحبنطأ: الغليظ القصير البطين، واجتماع ثلاث صفات في كلمة واحدة يثير كراهية شديدة للموصوف، وامرأة حبنطأة: قصيرة عظيمة البطن دميمة(1)، ولا يخفى النفور والاشمئزاز من تلك المرأة، وعليه فإن الصور الاجتماعية التي يثيرها الفعل (حبط) تعمل على استبعاد أقرب النظائر للفعل (حبط) وبخاصة الفعل (فسد) الذي لا ينهض بما تقدم من معان وصور اجتماعية مليئة بالنفور والكراهية والاشمئزاز.
والاستعارة في الخطاب القرآني ليست حلية لفظية أو فضاء تخيليًا وإنما ترتبط بوظيفة فكرية اجتماعية تجعل من وقوع اللفظة المناظرة أمراً مستبعداً إذ "إن اللفظة التي وقعت مستعارة لو أوقعت موقعها لفظة الحقيقة لكان موقعها نابياً بها ونصابها قلقاً بمركبها"(2)، ولاشك أن ملازمة لفظة ما لسياق دلالي معين تعد من المثيرات الأسلوبية التي تحفز الباحث على التأمل، وتزداد هذه الملازمة إثارة حينما نربطها بالمعطيات البيئية، وذلك لوجود علائق بين اللغة والبيئة، إذ "إن عبقرية لغة ما مرتبطة بما تهبه الأرض لبلاغتها الخاصة، فطبيعة المكان والسماء والمناخ والحيوان والنبات هذه كلها خلاقة للأفكار والصور التي تعتبر تراثاً خاصاً بلغة دون أخرى(3).
ولو تأملنا سياق الآيات التي لازمها الفعل (حبط)، لوجدنا أن بعض المواضع لا تصور أعمال الكافرين التي لا مناص من فسادها، وإنما تصور موعظة أو نهياً للمؤمنين عن أعمال لو فعلوها أو إذا لم ينتهوا عنها لحبط عملهم، نحو قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [الحجرات2]، ولهذا فإن مجيء الفعل حبط في سياق أعمال الكافرين يدل على ازدراء أعمالهم، ومجيئه في سياق أعمال المؤمنين للحث على تجنبها، وانسجاماً مع هذا الفرق فإن حبط العمل يأتي على أضرب، أحدها أن تكون الأعمال دنيوية فلا تغني في القيامة غناء، والثاني: أن تكون أعمالاً آخروية، ولكن لم يقصد بها صاحبها وجه الله تعالى، والثالث: أن تكون أعمالاً صالحة ولكن بإزائها سيئات(4).
بقلم الدكتور: د. عمر عبد الهادي عتيق
---------------------------
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 1:17 من طرف admin
» العزة في الجهاد
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 1:13 من طرف admin
» "كفى استحمارا" الحلقة الأولى والثانية
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 1:01 من طرف admin
» نصيحة للشيعة الذي يعتقد أن دينه صحيح يدخل والذي لا يعتقد دينه صحيح لا يدخل
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 0:56 من طرف admin
» جرائم الشيعه ضد اهل السنه فى العراق (وثائق وصور)!!!!!!!!
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 0:54 من طرف admin
» أرشيف لجرائم الشيعه في أهل السنة بالعراق
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 0:51 من طرف admin
» مخططات الصيانة لجوالات Samsung
السبت 23 مارس 2013 - 0:13 من طرف مختارعقلان
» تقييد البث وإغلاق قنوات بمصر
الأربعاء 13 أكتوبر 2010 - 20:30 من طرف
» الولاء والبراء في عقيدة أهل السنة والجماعة
الثلاثاء 16 مارس 2010 - 1:19 من طرف نسمة الايمان