:::: أداب الحوار وقواعد الإختلاف ::::
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
:::: أداب الحوار وقواعد الإختلاف ::::
ال
حمد لله
أما بعد
قواعد الحوار والاختلاف وضوابطه هي العاصم للمتحاورين من الغلو وشتم الآخرين إن كان الحق هو الرائد والمطلوب .
أما إذا كان الخلاف انتصارًا لأهواء سياسية وتعصبًا أعمى ، فهذا أمر لا ينفع معه قواعد ولا ضوابط ، إذ إن الهوى ليس له ضوابط ولا موازين ، ولذلك حذرنا المولى -عز وجل- من اتباع الهوى فقال سبحانه وتعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ } [القصص : 50] .
أهداف الحوار ومقاصده
1 - إقامة الحجة :
الغاية من الحوار إقامة الحجة ودفع الشبهة والفاسد من القول والرأي . والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق .
2 - الدعوة :
الحوار الهادئ مفتاح للقلوب وطريق إلى النفوس قال تعالى : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ النحل : 125 ] .
3 - تقريب وجهات النظر :
من ثمرات الحوار تضييق هوة الخلاف ، وتقريب وجهات النظر ، وإيجاد حل وسط يرضي الأطراف في زمن كثر فيه التباغض والتناحر .
4 - كشف الشبهات والرد على الأباطيل ،
لإظهار الحق وإزهاق الباطل ، كما قال تعالى: { وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } [الأنعام:55 ] .
الأصول والقواعد الرئيسة التي تضبط مسار الحوار
الأصل الأول : الوصول إلى الحق :
فلا بد من التجرد في طلب الحق ، والحذر من التعصب والهوى ، وإظهار الغلبة والمجادلة بالباطل .
يقول الإمام الغزالي عند ذكره لعلامات طلب الحق : "أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة ، لا يفرّق بين أن تظهر الضالة على يده ، أو على يد من يعاونه ، ويرى رفيقه معينًا لا خصمًا ، ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق"
الأصل الثاني : تحديد الهدف والقضية التي يدور حولها الحوار
، فإن كثيرًا من الحوارات تتحول إلى جدل عقيم سائب ليس له نقطة محددة ينتهي إليها .
الأصل الثالث : الاتفاق على أصل يرجع إليه
، والمرجعية العليا عند كل مسلم هي : الكتاب والسنة ، والضوابط المنهجية في فهم الكتاب والسنة . وقد أمر الله بالرد إليهما فقال سبحانه: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } [ النساء : 59 ] .
فالاتفاق على منهج النظر والاستدلال قبل البدء في أي نقاش علمي يضبط مسار الحوار ويوجهه نحو النجاح ، إذ إن الاختلاف في المنهج سيؤدي إلى الدوران في حلقة مفرغة لا حصر لها ولا ضابط .
الأصل الرابع : عدم مناقشة الفرع قبل الاتفاق على الأصل
فلا بد من البدء بالأهم من الأصول وضبطها والاتفاق عليها ، ومن ثم الانطلاق منها لمناقشة الفروع والحوار حولها .
آدابُ الحوار
آدابُ الحوار النفسية
هناك آداب تتعلق بنفسية المحاور وشخصه ، وهناك ظروف نفسية قد تطرأ على الحوار فتؤثر فيه تأثيرًا سلبيًّا ، فينبغي مراعاة ذلك حتى يحقق الحوار غاياته ويؤتي ثمراته .
وأهم هذه الآداب النفسية :
أولًا : تهيئة الجو المناسب للحوار
فلا بد من الابتعاد عن الأجواء الجماعية والغوغائية ، لأن الحق قد يضيع في مثل هذه الأجواء . كما ينبغي اختيار المكان الهادئ وإتاحة الزمن الكافي للحوار .
كما ينبغي مراعاة الظرف النفسي والاجتماعي للطرف الآخر ، فلا يصلح أبدًا أن يتم الحوار مع شخص يعاني من الإرهاق الجسدي أو النفسي ، لأن هذه الأمور ستؤثر في الحوار .
ومن الوسائل في تهيئة الجو المناسب للحوار:
1 - التعارف بين الطرفين .
2 - طرح أسئلة في غير موضوع الحوار لتهيئة نفسية الطرف الآخر .
3 - التقديم للحوار بكلمات مناسبة ومقدمات لطيفة تلفت انتباه الطرف الآخر
ثانيًا : الإخلاص وصدق النية
لا بد من توفر الإخلاص لله وحسن النية وسلامة القصد في الحوار والمناظرة ، وأن يبتعد المناظر عن قصد الرياء والسمعة ، والظهور على الخصم والتفوق على الآخرين ، والانتصار للنفس ، وانتزاع الإعجاب والثناء .
ومن دلائل الإخلاص لله والتجرد لطلب الحق أن يفرح المحاور إذا ظهر الصواب على لسان مخالفه ، كما قال الشافعي : "ما ناظرت أحدًا إلا تمنيت لو أن الله أظهر الحق على لسانه" .
ويعينه على ذلك أن يستيقن أن الآراء والأفكار ومسالك الحق ليست ملكًا لواحد أو طائفة ، والصواب ليس حكرًا على واحد بعينه .
ثالثًا : الإنصاف والعدل
من المبادئ الأساسية في الحوار : العدل والإنصاف ، ومن تمام الإنصاف قبول الحق من الخصم ، والتفريق بين الفكرة وقائلها ، وأن يبدي المحاور إعجابه بالأفكار الصحيحة والأدلة الجيدة ، ومن نماذج الإنصاف ما ذكره الله - سبحانه - في وصف أهل الكتاب : { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } [ آل عمران:113 ] .
رابعًا : التواضع وحسن الخلق
إن التزام الأدب وحسن الخلق عمومًا ، والتواضع على وجه الخصوص له دور كبير في إقناع الطرف الآخر ، وقبوله للحق وإذعانه للصواب ، فكل من يرى من محاوره توقيرًا وتواضعًا ، ويلمس خلقًا كريمًا ، ويسمع كلامًا طيبًا ، فإنه لا يملك إلا أن يحترم محاوره ، ويفتح قلبه لاستماع رأيه .
وفي الحديث الصحيح : « وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله » (1) . أي يرفع منزلته في الدنيا عند الناس ، وكذلك يرفعه في الآخرة ويزيد من ثوابه فيها بتواضعه في الدنيا .
ومما ينافي التواضع : العجب والغرور والكبر .
خامسًا : الحلم والصبر
يجب على المحاور أن يكون حليمًا صبورًا ، لا يغضب لأتفه سبب ، ولا ينفر لأدنى أمر ، ولا يستفز بأصغر كلمة .
فقد أمر -سبحانه- نبيه بأخذ العفو وإعذار الناس وترك الإغلاظ عليهم كما في قوله تعالى : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [ الأعراف : 199 ] .
والصفح والعفو أبلغ من كظم الغيظ ورد الغضب ، لأن العفو ترك المؤاخذة ، وطهارة القلب ، والسماحة عن المسيء ، ومغفرة خطيئته .
وأعظم من ذلك وأكبر هو دفع السيئة بالحسنة ، ومقابلة فحش الكلام بلينه ، والشدة بالرفق ، ورد الكلمة الجارحة بالكلمة الطيبة العذبة ، والسخرية والاحتقار بالتوقير والاحترام ، وهذه منزلة لا يصل إليها إلا من صبر وكان ذا حظ عظيم : { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }{ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ فصلت : 34-35 ] .
سادسًا : الرحمة والشفقة
إن المحاور المسلم المخلص الصادق يحرص على ظهور الحق ، ويشفق على خصمه الذي يناظره من الضلال ، ويخاف عليه من الإعراض والمكابرة والتولي عن الحق .
فالرحمة والشفقة أدب مهم جدًّا في الحوار ، لأن المحاور يسعى لهداية الآخرين واستقامتهم فلذلك يبتعد عن كل معاني القسوة والغلظة والفظاظة والشدة . فلا يكون الحوار فرصة للكيد والانتقام ، أو وسيلة لتنفيس الأحقاد ، وطريقة لإظهار الغل والحسد ، ونشر العداوة والبغضاء .
والرحمة جسر بين المحاور والطرف الآخر ، ومفتاح لقلبه وعقله ، وكلما اتضحت معالم الرحمة على المحاور كلما انشرح صدر الخصم ، واقترب من محاوره ، وأذعن له واقتنع بكلامه . يقول - سبحانه - مخاطبًا نبيه : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } [آل عمران : 159 ] .
ولذلك كان الأنبياء في حوارهم مع أقوامهم يصرحون بالخوف والحرص والشفقة عليهم .
ومن نماذج ذلك تصريح مؤمن آل فرعون لقومه بالرحمة والشفقة والخوف عليهم في أكثر من موضع . قال تعالى : { وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ }{ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ }{ وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ } [ غافر : 30 - 32 ] .
سابعًا : العزة والثبات على الحق
إن المحاور المسلم يستمد قوته من قوة الدين ، وعظمة الإيمان ، فلا يجوز أن يؤدي الحوار بالمسلم إلى الذلة والمهانة . والعزة الإيمانية ليست عنادًا يستكبر على الحق ، وليست طغيانًا وبغيًا ، وإنما هي خضوع لله وخشوع ، وخشية وتقوى ، ومراقبة لله سبحانه .
ثامنًا : حسن الاستماع
لا بد للمحاور الناجح أن يتقن فن الاستماع (1) ، فكما أن للكلام فنًّا وأدبًا ، فكذلك للاستماع ، وليس الحوار من حق طرف واحد يستأثر فيه بالكلام دون محاوره ، ففرق بين الحوار الذي فيه تبادل الآراء وبين الاستماع إلى خطبة أو محاضرة .
ومما ينافي حسن الاستماع : مقاطعة كلام الطرف الآخر ، فإنه طريق سريع لتنفير الخصم إضافة إلى ما فيه من سوء أدب ، كما أنه سبب في قطع الفكرة مما يؤثر في تسلسل الأفكار وترابطها ، ويؤدي إلى اضطرابها ونسيانها . وقد ذكر العلماء في آداب المتناظرين : ألا يتعرض أحدهما لكلام الآخر حتى يفهم مراده من كلامه تمامًا ، وأن ينتظر كل واحد منهما صاحبه حتى يفرغ من كلامه ، ولا يقطع عليه كلامه من قبل أن يتمه .
والاستماع إلى الطرف الآخر وحسن الإنصات ، تهيئ الطرف الآخر لقبول الحق ، وتمهد نفسه للرجوع عن الخطأ .
أما بعد
قواعد الحوار والاختلاف وضوابطه هي العاصم للمتحاورين من الغلو وشتم الآخرين إن كان الحق هو الرائد والمطلوب .
أما إذا كان الخلاف انتصارًا لأهواء سياسية وتعصبًا أعمى ، فهذا أمر لا ينفع معه قواعد ولا ضوابط ، إذ إن الهوى ليس له ضوابط ولا موازين ، ولذلك حذرنا المولى -عز وجل- من اتباع الهوى فقال سبحانه وتعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ } [القصص : 50] .
أهداف الحوار ومقاصده
1 - إقامة الحجة :
الغاية من الحوار إقامة الحجة ودفع الشبهة والفاسد من القول والرأي . والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق .
2 - الدعوة :
الحوار الهادئ مفتاح للقلوب وطريق إلى النفوس قال تعالى : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ النحل : 125 ] .
3 - تقريب وجهات النظر :
من ثمرات الحوار تضييق هوة الخلاف ، وتقريب وجهات النظر ، وإيجاد حل وسط يرضي الأطراف في زمن كثر فيه التباغض والتناحر .
4 - كشف الشبهات والرد على الأباطيل ،
لإظهار الحق وإزهاق الباطل ، كما قال تعالى: { وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } [الأنعام:55 ] .
الأصول والقواعد الرئيسة التي تضبط مسار الحوار
الأصل الأول : الوصول إلى الحق :
فلا بد من التجرد في طلب الحق ، والحذر من التعصب والهوى ، وإظهار الغلبة والمجادلة بالباطل .
يقول الإمام الغزالي عند ذكره لعلامات طلب الحق : "أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة ، لا يفرّق بين أن تظهر الضالة على يده ، أو على يد من يعاونه ، ويرى رفيقه معينًا لا خصمًا ، ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق"
الأصل الثاني : تحديد الهدف والقضية التي يدور حولها الحوار
، فإن كثيرًا من الحوارات تتحول إلى جدل عقيم سائب ليس له نقطة محددة ينتهي إليها .
الأصل الثالث : الاتفاق على أصل يرجع إليه
، والمرجعية العليا عند كل مسلم هي : الكتاب والسنة ، والضوابط المنهجية في فهم الكتاب والسنة . وقد أمر الله بالرد إليهما فقال سبحانه: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } [ النساء : 59 ] .
فالاتفاق على منهج النظر والاستدلال قبل البدء في أي نقاش علمي يضبط مسار الحوار ويوجهه نحو النجاح ، إذ إن الاختلاف في المنهج سيؤدي إلى الدوران في حلقة مفرغة لا حصر لها ولا ضابط .
الأصل الرابع : عدم مناقشة الفرع قبل الاتفاق على الأصل
فلا بد من البدء بالأهم من الأصول وضبطها والاتفاق عليها ، ومن ثم الانطلاق منها لمناقشة الفروع والحوار حولها .
آدابُ الحوار
آدابُ الحوار النفسية
هناك آداب تتعلق بنفسية المحاور وشخصه ، وهناك ظروف نفسية قد تطرأ على الحوار فتؤثر فيه تأثيرًا سلبيًّا ، فينبغي مراعاة ذلك حتى يحقق الحوار غاياته ويؤتي ثمراته .
وأهم هذه الآداب النفسية :
أولًا : تهيئة الجو المناسب للحوار
فلا بد من الابتعاد عن الأجواء الجماعية والغوغائية ، لأن الحق قد يضيع في مثل هذه الأجواء . كما ينبغي اختيار المكان الهادئ وإتاحة الزمن الكافي للحوار .
كما ينبغي مراعاة الظرف النفسي والاجتماعي للطرف الآخر ، فلا يصلح أبدًا أن يتم الحوار مع شخص يعاني من الإرهاق الجسدي أو النفسي ، لأن هذه الأمور ستؤثر في الحوار .
ومن الوسائل في تهيئة الجو المناسب للحوار:
1 - التعارف بين الطرفين .
2 - طرح أسئلة في غير موضوع الحوار لتهيئة نفسية الطرف الآخر .
3 - التقديم للحوار بكلمات مناسبة ومقدمات لطيفة تلفت انتباه الطرف الآخر
ثانيًا : الإخلاص وصدق النية
لا بد من توفر الإخلاص لله وحسن النية وسلامة القصد في الحوار والمناظرة ، وأن يبتعد المناظر عن قصد الرياء والسمعة ، والظهور على الخصم والتفوق على الآخرين ، والانتصار للنفس ، وانتزاع الإعجاب والثناء .
ومن دلائل الإخلاص لله والتجرد لطلب الحق أن يفرح المحاور إذا ظهر الصواب على لسان مخالفه ، كما قال الشافعي : "ما ناظرت أحدًا إلا تمنيت لو أن الله أظهر الحق على لسانه" .
ويعينه على ذلك أن يستيقن أن الآراء والأفكار ومسالك الحق ليست ملكًا لواحد أو طائفة ، والصواب ليس حكرًا على واحد بعينه .
ثالثًا : الإنصاف والعدل
من المبادئ الأساسية في الحوار : العدل والإنصاف ، ومن تمام الإنصاف قبول الحق من الخصم ، والتفريق بين الفكرة وقائلها ، وأن يبدي المحاور إعجابه بالأفكار الصحيحة والأدلة الجيدة ، ومن نماذج الإنصاف ما ذكره الله - سبحانه - في وصف أهل الكتاب : { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } [ آل عمران:113 ] .
رابعًا : التواضع وحسن الخلق
إن التزام الأدب وحسن الخلق عمومًا ، والتواضع على وجه الخصوص له دور كبير في إقناع الطرف الآخر ، وقبوله للحق وإذعانه للصواب ، فكل من يرى من محاوره توقيرًا وتواضعًا ، ويلمس خلقًا كريمًا ، ويسمع كلامًا طيبًا ، فإنه لا يملك إلا أن يحترم محاوره ، ويفتح قلبه لاستماع رأيه .
وفي الحديث الصحيح : « وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله » (1) . أي يرفع منزلته في الدنيا عند الناس ، وكذلك يرفعه في الآخرة ويزيد من ثوابه فيها بتواضعه في الدنيا .
ومما ينافي التواضع : العجب والغرور والكبر .
خامسًا : الحلم والصبر
يجب على المحاور أن يكون حليمًا صبورًا ، لا يغضب لأتفه سبب ، ولا ينفر لأدنى أمر ، ولا يستفز بأصغر كلمة .
فقد أمر -سبحانه- نبيه بأخذ العفو وإعذار الناس وترك الإغلاظ عليهم كما في قوله تعالى : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [ الأعراف : 199 ] .
والصفح والعفو أبلغ من كظم الغيظ ورد الغضب ، لأن العفو ترك المؤاخذة ، وطهارة القلب ، والسماحة عن المسيء ، ومغفرة خطيئته .
وأعظم من ذلك وأكبر هو دفع السيئة بالحسنة ، ومقابلة فحش الكلام بلينه ، والشدة بالرفق ، ورد الكلمة الجارحة بالكلمة الطيبة العذبة ، والسخرية والاحتقار بالتوقير والاحترام ، وهذه منزلة لا يصل إليها إلا من صبر وكان ذا حظ عظيم : { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }{ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ فصلت : 34-35 ] .
سادسًا : الرحمة والشفقة
إن المحاور المسلم المخلص الصادق يحرص على ظهور الحق ، ويشفق على خصمه الذي يناظره من الضلال ، ويخاف عليه من الإعراض والمكابرة والتولي عن الحق .
فالرحمة والشفقة أدب مهم جدًّا في الحوار ، لأن المحاور يسعى لهداية الآخرين واستقامتهم فلذلك يبتعد عن كل معاني القسوة والغلظة والفظاظة والشدة . فلا يكون الحوار فرصة للكيد والانتقام ، أو وسيلة لتنفيس الأحقاد ، وطريقة لإظهار الغل والحسد ، ونشر العداوة والبغضاء .
والرحمة جسر بين المحاور والطرف الآخر ، ومفتاح لقلبه وعقله ، وكلما اتضحت معالم الرحمة على المحاور كلما انشرح صدر الخصم ، واقترب من محاوره ، وأذعن له واقتنع بكلامه . يقول - سبحانه - مخاطبًا نبيه : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } [آل عمران : 159 ] .
ولذلك كان الأنبياء في حوارهم مع أقوامهم يصرحون بالخوف والحرص والشفقة عليهم .
ومن نماذج ذلك تصريح مؤمن آل فرعون لقومه بالرحمة والشفقة والخوف عليهم في أكثر من موضع . قال تعالى : { وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ }{ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ }{ وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ } [ غافر : 30 - 32 ] .
سابعًا : العزة والثبات على الحق
إن المحاور المسلم يستمد قوته من قوة الدين ، وعظمة الإيمان ، فلا يجوز أن يؤدي الحوار بالمسلم إلى الذلة والمهانة . والعزة الإيمانية ليست عنادًا يستكبر على الحق ، وليست طغيانًا وبغيًا ، وإنما هي خضوع لله وخشوع ، وخشية وتقوى ، ومراقبة لله سبحانه .
ثامنًا : حسن الاستماع
لا بد للمحاور الناجح أن يتقن فن الاستماع (1) ، فكما أن للكلام فنًّا وأدبًا ، فكذلك للاستماع ، وليس الحوار من حق طرف واحد يستأثر فيه بالكلام دون محاوره ، ففرق بين الحوار الذي فيه تبادل الآراء وبين الاستماع إلى خطبة أو محاضرة .
ومما ينافي حسن الاستماع : مقاطعة كلام الطرف الآخر ، فإنه طريق سريع لتنفير الخصم إضافة إلى ما فيه من سوء أدب ، كما أنه سبب في قطع الفكرة مما يؤثر في تسلسل الأفكار وترابطها ، ويؤدي إلى اضطرابها ونسيانها . وقد ذكر العلماء في آداب المتناظرين : ألا يتعرض أحدهما لكلام الآخر حتى يفهم مراده من كلامه تمامًا ، وأن ينتظر كل واحد منهما صاحبه حتى يفرغ من كلامه ، ولا يقطع عليه كلامه من قبل أن يتمه .
والاستماع إلى الطرف الآخر وحسن الإنصات ، تهيئ الطرف الآخر لقبول الحق ، وتمهد نفسه للرجوع عن الخطأ .
amani- عضو برونزى
- عدد الرسائل : 162
الأوسمة :
نقاط : 6565
تاريخ التسجيل : 29/05/2008
رد: :::: أداب الحوار وقواعد الإختلاف ::::
بارك الله فيك على هذا الموضوع الجميل
- الأوسمة :
نقاط : 20053
تاريخ التسجيل : 01/01/1970
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 1:17 من طرف admin
» العزة في الجهاد
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 1:13 من طرف admin
» "كفى استحمارا" الحلقة الأولى والثانية
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 1:01 من طرف admin
» نصيحة للشيعة الذي يعتقد أن دينه صحيح يدخل والذي لا يعتقد دينه صحيح لا يدخل
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 0:56 من طرف admin
» جرائم الشيعه ضد اهل السنه فى العراق (وثائق وصور)!!!!!!!!
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 0:54 من طرف admin
» أرشيف لجرائم الشيعه في أهل السنة بالعراق
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 0:51 من طرف admin
» مخططات الصيانة لجوالات Samsung
السبت 23 مارس 2013 - 0:13 من طرف مختارعقلان
» تقييد البث وإغلاق قنوات بمصر
الأربعاء 13 أكتوبر 2010 - 20:30 من طرف
» الولاء والبراء في عقيدة أهل السنة والجماعة
الثلاثاء 16 مارس 2010 - 1:19 من طرف نسمة الايمان