في ظلال آية الحلقة التاسعة

بسم الله الرحمن الرحيم

في ظلال آية
الحلقة التاسعة



لازم الفعل (سولت) الفاعل (النفس) في ثلاثة مواضع، نحو قوله تعالى: {وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} [يوسف18].

والتسويل هو "تزيين النفس لما تحرص عليه وتصوير القبيح منه بصورة الحسن" (1) وقد أسند الفعل (سول) إلى الشيطان في موضع آخر وذلك في قوله تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم} [محمد25]، وما دام الفعل (سوَّل) قد أسند إلى النفس تارة وإلى الشيطان تارة أخرى فإن العلاقة الإسنادية المشتركة تفضي حتماً إلى تقاطع في الماهية بين النفس والشيطان.

وعلى الرغم من أن التسويل يفيد التزيين إلا أن الفعل (زيّن) لم يرد مسنداً إلى النفس، ولكنه ورد مسنداً إلى الشيطان في ستة مواضع (2) نحو قوله تعالى: {ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون} [الأنعام43]، وهذا يعني أن التسويل ينبع من داخل النفس، وأن التزيين ينجم عن تأثير خارجي على النفس، كما أن التأمل في المواضع التي ورد فيها الفعل (سوّل) يدل على أن التسويل تفكير يضمره صاحبه ثم يتحول إلى فعل وسلوك، ففي سورة يوسف {قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً} {18، 83} يتمثل التسويل بتفكير أخوة يوسف في أمر أخيهم وتدبير مكيدة للتخلص منه بإلقائه في الجب، فهو تفكير داخلي أفضى إلى سلوك، وكذلك في قوله تعالى: {فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي} [طه96] يتمثل التسويل بتفكير السامري بطريقة يوهم بها أنه قادر على بث الحياة في العجل وهو أيضاً تفكير داخلي أفضى إلى سلوك.

أما التزيين فهو حصول العمل أولاً ثم التزيين والاستحسان له ثانية ولهذا جاء فعل التزيين المسند إلى الشيطان في سياق العمل في جميع المواضع.

وهذا يقتضي ارتباط التزيين بمشاهدة العمل، وما يعزز ارتباط التزيين بالمشاهدة، قوله تعالى: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} [الصافات6] وغيره من المواضع.

فالمعاني "كالجوهر في الصدف لا يبرز لك إلا تشقه عنه، وكالعزيز المحتجب لا يريك وجهه حتى تستأذن عليه"(3).



بقلم الدكتور: عمر عبد الهادي عتيق

---------------------------