في ظلال آية الحلقة الرابعة
صفحة 1 من اصل 1
في ظلال آية الحلقة الرابعة
في ظلال آية
الحلقة الرابعة
ورد الفعل (جاءها) في قوله تعالى{فلما جاءها نودي}[النمل8]، والفعل (أتاها) في قوله تعالى: {فلما أتاها نودي}[القصص30].
فما الفرق بين المجيء والإتيان؟ تفيد مادة (أتى) أن الإتيان أسهل وأيسر من المجيء، فالمواتاة: حسن المطاوعة والموافقة، والميتاء: الطريق العامر، والأتي: النهر يسوقه الرجل إلى أرضه، والإيتاء: الإعطاء، وتأتى فلان لحاجته: إذا ترفق لها وأتاها من وجهها، وأتيت الماء: سهلت سبيله ليخرج إلى موضع. والأتو: الاستقامة في السير والسرعة(1) وهي معان لا تتوافر في مادة (جاء).
وقد اتكأ السامرائي على الشواهد القرآنية للتدليل على الفرق بين المجيء والإتيان إذ "يستعمل المجيء لما فيه صعوبة ومشقة، أو لما هو أصعب وأشق مما تستعمل له (أتى)" (2) وذلك نحو قوله تعالى: {فإذا جاء أمرنا وفار التنور} [المؤمنون27]، و{وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق19]، و{لقد جئت شيئا نكراً} [الكهف74].
وقد نوه السامرائي إلى قوله تعالى: {هل أتاك حديث الغاشية} [الغاشية1]، فقد ورد الفعل (أتاك) في سياق الشدة والصعوبة ولم يرد الفعل (جاءك)؛ لأن "الذي جاء هنا هو الحديث وليس الغاشية"(3).
ووقف السامرائي وقفات تأملية بين سياق الفعل (أتى) وسياق الفعل (جاء) تحقيقاً للفرق بينهما، فأورد قوله تعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون}[النحل1]، وقوله تعالى: {فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون} [غافر78].
وعقب بقوله "وبأدنى نظر يتضح الفرق بين التعبيرين، فإن مجيء الثاني أشق وأصعب لما فيه من قضاء وخسران، في حين لم يزد في الآية الأولى على الإتيان فاختار لما هو أصعب واشق (جاء) ولما هو أيسر (أتى) (4)
ومن الباحثين المحدثين من رفض توجيهات السامرائي واتخاذ سياقي السهولة والصعوبة منطلقا للتفريق بين دلالة (أتى) ودلالة (جاء)، فقد ذهب محمد المنجد إلى أن الفعل (أتى) والفعل (جاء) قد وردا في سياقين متشابهين وذلك في قوله "أما دلالة الإتيان على المجيء بسهولة فينقضه تساوي اللفظين في سياقين متشابهين هما قوله تعالى: {إلا من أتى الله بقلب سليم} [الشعراء89]، وقوله تعالى: {إذ جاء ربه بقلب سليم} [الصافات84] (5) ، وما ذهب إليه المنجد فيه نظر؛ لأن السياقين ليسا متشابهين كما قال، فقد وقع الفعل (أتى) في آية الشعراء في سياق إتيان المؤمن الذي سلم قلبه من آفات الكفر والمعاصي يوم القيامة(6) فمن يأتي ربه بقلب سليم يكون مطمئناً، وما يعزز هذا الاطمئنان الآية التالية لسياق الإتيان وهي قوله تعالى: {وأزلفت الجنة للمتقين} [الشعراء90].
أما الفعل (جاء) في آية الصافات فقد وقع في سياق بدء مواجهة سيدنا إبراهيم عليه السلام لقومه الذين يعبدون الأصنام، ولا شك أنها مواجهة تتسم بصعوبة بالغة. وعليه فإن توجيهات السامرائي لا يبطلها ما ذهب إليه المنجد.
وقد حاول محمد المنجد أن يؤسس معياراً للتفريق بين الإتيان والمجيء، فذهب إلى أن الإتيان يقع في سياق الغموض والشك والجهل وعدم القصد، واحتج بقوله تعالى: {لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى} [طه10]، وأن المجيء يقع في سياق العلم واليقين وتحقق الوقوع والقصد، واحتج بقوله تعالى: {فلما جاءها نودي}[النمل8] (7)، ولم يستند المنجد فيما ذهب إليه إلى أصول لغوية لتكون دليلاً على وجود علاقة بين الفعل (أتى) وسياق الغموض والشك، والفعل (جاء) وسياق العلم واليقين، أما ما ذهب إليه السامرائي فهو معزز بالأصول اللغوية التي تدل على وجود علائق بين مادة (أتى) وسياق السهولة، ومادة (جاء) وسياق الصعوبة والمشقة.
وأورد السامرائي قوله تعالى: {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين} [يوسف110] وقوله: {ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين}[الأنعام34].
ويعقب بقوله "ومن الواضح أن الحالة الأولى أشق وأصعب وذلك أن الرسل بلغوا درجة الاستيئاس، وهي أبعد وأبلغ... ثم انظر إلى خاتمة الآيتين ترى الفرق واضحاً، فما ذكره من نجاة المؤمنين، ونزول اليأس على الكافرين في آية يوسف مما لا نجده في آية الأنعام يدلك على الفرق بينهما (
وبناء على ما تقدم، فإن ما قطعه موسى عليه السلام على نفسه في النمل أصعب مما في القصص، ففي النمل قطع على نفسه أن يأتيهم بخبر أو شهاب قبس، وذلك في قوله تعالى: {إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون} [النمل7]. أما في القصص فقد ترجى ذلك في قوله تعالى: {قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون} [القصص29]. والقطع أشد وأشق من الترجي(.
ونلاحظ أن الفرق الدلالي بين المجيء والإتيان قد امتد إلى الاختيارات النحوية، ففي سياق الفعل (جاءها) اقترنت السين بالفعل التي توحي بالتوكيد في قوله (سآتيكم) وفي سياق الفعل (أتاها) لم يقترن الفعل بالسين، إذ وردت قرينة الترجي (لعلي آتيكم).
بقلم الدكتور: د. عمر عبد الهادي عتيق
الحلقة الرابعة
ورد الفعل (جاءها) في قوله تعالى{فلما جاءها نودي}[النمل8]، والفعل (أتاها) في قوله تعالى: {فلما أتاها نودي}[القصص30].
فما الفرق بين المجيء والإتيان؟ تفيد مادة (أتى) أن الإتيان أسهل وأيسر من المجيء، فالمواتاة: حسن المطاوعة والموافقة، والميتاء: الطريق العامر، والأتي: النهر يسوقه الرجل إلى أرضه، والإيتاء: الإعطاء، وتأتى فلان لحاجته: إذا ترفق لها وأتاها من وجهها، وأتيت الماء: سهلت سبيله ليخرج إلى موضع. والأتو: الاستقامة في السير والسرعة(1) وهي معان لا تتوافر في مادة (جاء).
وقد اتكأ السامرائي على الشواهد القرآنية للتدليل على الفرق بين المجيء والإتيان إذ "يستعمل المجيء لما فيه صعوبة ومشقة، أو لما هو أصعب وأشق مما تستعمل له (أتى)" (2) وذلك نحو قوله تعالى: {فإذا جاء أمرنا وفار التنور} [المؤمنون27]، و{وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق19]، و{لقد جئت شيئا نكراً} [الكهف74].
وقد نوه السامرائي إلى قوله تعالى: {هل أتاك حديث الغاشية} [الغاشية1]، فقد ورد الفعل (أتاك) في سياق الشدة والصعوبة ولم يرد الفعل (جاءك)؛ لأن "الذي جاء هنا هو الحديث وليس الغاشية"(3).
ووقف السامرائي وقفات تأملية بين سياق الفعل (أتى) وسياق الفعل (جاء) تحقيقاً للفرق بينهما، فأورد قوله تعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون}[النحل1]، وقوله تعالى: {فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون} [غافر78].
وعقب بقوله "وبأدنى نظر يتضح الفرق بين التعبيرين، فإن مجيء الثاني أشق وأصعب لما فيه من قضاء وخسران، في حين لم يزد في الآية الأولى على الإتيان فاختار لما هو أصعب واشق (جاء) ولما هو أيسر (أتى) (4)
ومن الباحثين المحدثين من رفض توجيهات السامرائي واتخاذ سياقي السهولة والصعوبة منطلقا للتفريق بين دلالة (أتى) ودلالة (جاء)، فقد ذهب محمد المنجد إلى أن الفعل (أتى) والفعل (جاء) قد وردا في سياقين متشابهين وذلك في قوله "أما دلالة الإتيان على المجيء بسهولة فينقضه تساوي اللفظين في سياقين متشابهين هما قوله تعالى: {إلا من أتى الله بقلب سليم} [الشعراء89]، وقوله تعالى: {إذ جاء ربه بقلب سليم} [الصافات84] (5) ، وما ذهب إليه المنجد فيه نظر؛ لأن السياقين ليسا متشابهين كما قال، فقد وقع الفعل (أتى) في آية الشعراء في سياق إتيان المؤمن الذي سلم قلبه من آفات الكفر والمعاصي يوم القيامة(6) فمن يأتي ربه بقلب سليم يكون مطمئناً، وما يعزز هذا الاطمئنان الآية التالية لسياق الإتيان وهي قوله تعالى: {وأزلفت الجنة للمتقين} [الشعراء90].
أما الفعل (جاء) في آية الصافات فقد وقع في سياق بدء مواجهة سيدنا إبراهيم عليه السلام لقومه الذين يعبدون الأصنام، ولا شك أنها مواجهة تتسم بصعوبة بالغة. وعليه فإن توجيهات السامرائي لا يبطلها ما ذهب إليه المنجد.
وقد حاول محمد المنجد أن يؤسس معياراً للتفريق بين الإتيان والمجيء، فذهب إلى أن الإتيان يقع في سياق الغموض والشك والجهل وعدم القصد، واحتج بقوله تعالى: {لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى} [طه10]، وأن المجيء يقع في سياق العلم واليقين وتحقق الوقوع والقصد، واحتج بقوله تعالى: {فلما جاءها نودي}[النمل8] (7)، ولم يستند المنجد فيما ذهب إليه إلى أصول لغوية لتكون دليلاً على وجود علاقة بين الفعل (أتى) وسياق الغموض والشك، والفعل (جاء) وسياق العلم واليقين، أما ما ذهب إليه السامرائي فهو معزز بالأصول اللغوية التي تدل على وجود علائق بين مادة (أتى) وسياق السهولة، ومادة (جاء) وسياق الصعوبة والمشقة.
وأورد السامرائي قوله تعالى: {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين} [يوسف110] وقوله: {ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين}[الأنعام34].
ويعقب بقوله "ومن الواضح أن الحالة الأولى أشق وأصعب وذلك أن الرسل بلغوا درجة الاستيئاس، وهي أبعد وأبلغ... ثم انظر إلى خاتمة الآيتين ترى الفرق واضحاً، فما ذكره من نجاة المؤمنين، ونزول اليأس على الكافرين في آية يوسف مما لا نجده في آية الأنعام يدلك على الفرق بينهما (
وبناء على ما تقدم، فإن ما قطعه موسى عليه السلام على نفسه في النمل أصعب مما في القصص، ففي النمل قطع على نفسه أن يأتيهم بخبر أو شهاب قبس، وذلك في قوله تعالى: {إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون} [النمل7]. أما في القصص فقد ترجى ذلك في قوله تعالى: {قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون} [القصص29]. والقطع أشد وأشق من الترجي(.
ونلاحظ أن الفرق الدلالي بين المجيء والإتيان قد امتد إلى الاختيارات النحوية، ففي سياق الفعل (جاءها) اقترنت السين بالفعل التي توحي بالتوكيد في قوله (سآتيكم) وفي سياق الفعل (أتاها) لم يقترن الفعل بالسين، إذ وردت قرينة الترجي (لعلي آتيكم).
بقلم الدكتور: د. عمر عبد الهادي عتيق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 1:17 من طرف admin
» العزة في الجهاد
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 1:13 من طرف admin
» "كفى استحمارا" الحلقة الأولى والثانية
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 1:01 من طرف admin
» نصيحة للشيعة الذي يعتقد أن دينه صحيح يدخل والذي لا يعتقد دينه صحيح لا يدخل
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 0:56 من طرف admin
» جرائم الشيعه ضد اهل السنه فى العراق (وثائق وصور)!!!!!!!!
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 0:54 من طرف admin
» أرشيف لجرائم الشيعه في أهل السنة بالعراق
الأحد 27 سبتمبر 2015 - 0:51 من طرف admin
» مخططات الصيانة لجوالات Samsung
السبت 23 مارس 2013 - 0:13 من طرف مختارعقلان
» تقييد البث وإغلاق قنوات بمصر
الأربعاء 13 أكتوبر 2010 - 20:30 من طرف
» الولاء والبراء في عقيدة أهل السنة والجماعة
الثلاثاء 16 مارس 2010 - 1:19 من طرف نسمة الايمان